السؤال:
أنا إنسانة متزوجة منذ 6 سنوات وليس لدي أولاد. دائمًا أفكر بأني ناقصة، لست قادرة على إنجاز أي شيء منذ الطفولة، وأني دائمًا ناقصة، والحديث عن الماضي وما أعيشه من حرمان، وأي فشل كنت أعلقه بما كتب لي من اليتم أو عدم الإنجاب، فمنكم المساعدة. رغم أني لا أحب البقاء في البيت وأحب العمل والدراسة حتى لا تبقى في نفسي هذه الأفكار؟
الجواب:
الأخت الكريمة نشكر لك ثقتك بالموقع، ونسأل الله أن يرفع عنك هذه الوساوس، وأن يهب لك من لدنه ذرية طيبة إنه سميع الدعاء. ذكرتِ أنك تشعرين بالنقص لأنك نشأت يتيمة، ولو كان اليتم نقيصة لما رضيه الله تعالى لحبيبه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فهو كما تعلمين لم تكتحل عيناه برؤية أبيه، ثم ماتت أمه وهو في السادسة من عمره، وهي سن يحس فيها الطفل بأهمية أمه بالنسبة له، ويكون له تعلق بها، وبالتالي يشعر بمرارة فقدها، ورغم كل ذلك عاش صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس قلبًا، وأزكاهم نفسًا، وأصبرهم على تحمل المسئوليات، وأقدرهم على تصريف الأمور، وسياسة شئون المسلمين، فهو سيد ولد آدم الذي يحبه أهل السماء والأرض.
وكم من امرئ عاش بين أبويه لكنه لم يجن من صحبتهما إلا الشقاء لكثرة مشاكلهما، أو لانحرافهما عن سواء السبيل، أو غير ذلك.
وتذكري دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء فصبر فكان خيرًا له»، وسلي الله لوالديك الرحمة، وسليه أن يجمعكِ بهما في جنات النعيم حيث لا كدر ولا غم حيث يقول المؤمنون حينها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: من الآية 34]، وتذكري أنك يمكن أن تبري والديك بعد موتهما بدعائك لهما، وحجك واعتمارك وصدقتك عنهما، وصلتك لأهل ودِّهما.
أما عدم الإنجاب، فقبل أن أحدثك عنه أذكرك بأن أكمل نساء العالمين، وأرفعهن درجة، فيهن اثنتين لم تكن لهما ذرية وهما آسية بنت مزاحم امرأة فرعون التي قالت لفرعون في شأن موسى: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: من الآية 9]، وعائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، ومع ذلك كانت مع آسية من أكمل النساء العالمين، بل جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»، وهكذا جل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين لم تكن لهن ذرية، فحتى إن قُدِّر أن الله لم يكتب لك ذرية فلك في الصالحات الكاملات الفاضلات أسوة حسنة، فاشكري الله على كل حال واغتنمي نعمة الفراغ في تحصيل العلم النافع، وفي تعليمه للنساء من حولك، وفي غيره من الأعمال التي تعود عليك بالنفع في الدارين.
ومن جملته العناية بشأن اليتيم وتربية بعضهم إن تيسرت لك سواء من الأقارب أو غيرهم، ولك في آسية بنت مزاحم أسوة، وانظري كيف يسارع المنصرون والمنصرات إلى تبني الأطفال في المناطق المنكوبة ليربونهم على دينهم الباطل، ويستخدمونهم في نشر الضلال.
هذا مع علمي بأنك ما تزالين في مقتبل العمر، ونحن في زمان تطورت فيه العلوم والحمد لله، وقد سمعنا عمن من أنجبت بعد ثلاثين عامًا دون علاج، ومن تداوت سنين عددًا ثم رزقت البنين والبنات فلا تقنطي من رحمة الله، وهل يقنط من رحمة ربه إلاّ الضالون.
ولك في أنبياء الله تعالى عظة، فهذا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام دعا ربه أن يهب له من الصالحين فرزقه إسماعيل بعد الكبر فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ...} [إبراهيم: من الآية 39]، ثم منّ عليه وعلى زوجه سارة رغم أنها كانت عاقرًا عجوزًا، فرزقهما بإسحاق، وبشرهما بيعقوب، وبارك لهم فيهم وجعلهم أنبياء.
وزكريا عليه السلام دعا ربه أن يهبه وليًّا رغم أنه بلغ من الكبر عتيًّا، وكانت امرأته عاقرًا، فاستجاب الله تعالى له، ووهبه يحيى وآتاه الكتاب والحكم، وجعله بارًّا بهما. فاتخذي الأسباب، ولا تقنطي من رحمة الوهاب. وتأملي في حال هؤلاء الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام تدركي أن من أسباب إجابة الدعاء صدق التوكل على الله تعالى، والمسارعة في الخيرات، والإكثار من الدعاء، فقد قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90- 91]. فاطردي عنك الوساوس واذكري نعمة الله تعالى عليك، فأنت قد من الله عليك بزوج وأنت في الحادية والعشرين من عمرك في زمان تبقى فيه الفتاة حتى تقارب الأربعين دون زواج، وأنت كما ذكرت تحبين الدراسة والعمل وهذه من صفات الناجحين الذين يعمرون أوقاتهم بالنافع المفيد، فكم من النساء من لا يفارق سواد عينيها شاشة التلفاز، أو تقضي وقتها في جلسات ليس فيها إلا الغيبة واللغو، فاشكري الله على نعمه يزدك من فضله، وتذكري دائمًا أن لله تعالى الحكمة البالغة، وأن كل ما يحدث في هذا الكون يحدث بتقدير الحكيم الخبير، فقد يصيبك البلاء وفي ثناياه الخير الكثير في العاجل والآجل، فثقي بربك، وأكثري من شكره وذكره، يصلح لك أمر دنياك وأخراك، ويكفك ما أهمك. نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة، ويذهب عنك ما تجدين مما لا تحبين، ويوفقك لما يحب ويرضى.
الكاتب: أسماء عبدالرازق.
المصدر: موقع المسلم.